البناء الريفي ببومرداس...إعانات تقصم ظهور الفقراء

25/08/2014 - 23:02

تتميز أغلب بلديات ولاية بومرداس بطابعها الريفي الذي يجمع بين جمال الطبيعة وكثرة الموارد كونها أراضي فلاحية وغابية غنية جدا، وفي مقابل هذا يعاني السكان الذين فضلوا البقاء هناك، من أزمة خانقة في السكن كون أغلب العائلات فقيرة ولا تستطيع بناء سكن، كما توجد أزمة عقار تحول دون بناء سكنات اجتماعية أوتساهمية. وبين هذا وذاك بزغ أمل للسكان وحل للسلطات مع ظهور منح البناء الريفي، لكنه أمل تحول إلى ألم مع الواقع المر الذي يتراوح بين الإجراءات البيروقراطية والتعقيدات الإدارية، وتأخر كبير في تحصيل المبالغ المالية وهي التي سنحاول من خلال هذا المقال الوقوف عليها.
 
... من التقدم إلى التقهقر
 شهد ملف البناء الريفي تقدما ملحوظا في بدايته حيث تمكن الآلاف من السكان من الحصول على الإعانات لدرجة جعلت الكثيرين من سكان المدن يعودون إلى قراهم للاستافادة، خصوصا وأن الإجراءات كانت سهلة للحصول على منحة عكس الصيغ الأخرى للسكن. لكن بدأ التراجع وأصبح البناء الريفي كابوسا وتوقفت كثير من المشاريع، بعد أن اصطدم المستفيدون والمسجلون بواقع مر أصبحت فيه الإعانات هاجسا وكابوسا مرعبا قبل الحصول عليها وبعده.
للإشارة فقد استفادت ولاية بومرداس من برنامج دعم البناء الريفي مطلع سنة 2002، حيث بلغ عدد القرارات الممنوحة 9122 قرارا إلى غاية فيفري الماضي من السنة الماضية منها 2975 مشروعا انتهت به الأشغال أي ما نسبته 32.61 بالمائة فقط. فيما يوجد 6147 مشروعا في طور الإنجاز، مشيرا إلى أن معظم البرامج لاتزال سارية المفعول منذ سنة 2002، حيث إن المشاريع لم تنته بها الأشغال والتي لم يستلم أصحابها الشطر الأخير من الإعانة المالية، ناهيك عن كثيرين ينتظرون مقررات الاستفادة أوصك بنكي للحصول على الشطر الأول. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا حدث تراجع عوض تقدم في ملف البناء الريفي؟ فمثلا بلدية عمال كانت الأولى وحاليا يوجد أكثر من 250 ملفا في الانتظار تضاف لها حوالي 40 ملفا ينتظر أصحابها منذ سنة تقريبا مقررات الاستفادة رغم قبول ملفاتهم.
 
... قطعة الأرض بداية المشروع... بداية المعاناة
 يعاني كل من يسعى للحصول على إعانة البناء الريفي الأمرين في سبيل الحصول على قطعة أرض تحتضن مشروع المسكن، وذلك لأغلب سكان الأرياف لا يملكون وثائق تثبت ملكيتهم للأرض فكل شيء يتم عرفيا في القرى والمداشر. حيث تبدأ القصة بإقناع الأهل من أجل اقتصاص بعض الأمتار المربعة للمسكن، ثم البحث عن شهود كبار في السن للشهادة وكذا إعداد شهادة هبة أوتنازل عن القطعة من مالكها الأصلي، بعدها يعد ملف لاستخراج شهادة الحيازة وهوملف تتم فيها تلاعبات عدة. وفي هذا السياق وجدنا حالات عديدة من حالة شاب في 35 من العمر كان يفكر في بناء مسكن في إحدى قرى الجهة الشرقية لكن تراجع أمام العراقيل ويلخص قصته في كونه وضع ملفا وانتظر أكثر من عام حتى تخرج شهادة الحيازة. وبعد استخراج الشهادة ونشرها في الجريدة وتعليقها في البلدية ظل ينتظر ولم يتمكن من الحصول على الإعانة فقرر التراجع بعد انتظار دام أربع سنوات.
وهي قصة لها شبيهاته في منطقة بني عمران حيث حدثنا شباب أنه نشروا شهادات الحيازة لكن عاد أعوان البلدية وطلبوا منهم نشرها من جديد بعد حدوث خلل في الصياغة الأولى، وهوخطأ تحملوه رغم أنه لم يكونوا السبب فيه. هذه القصص وأخرى تلخص بعض العراقيل وليس كلها فهناك المزيد مع مسلسل فضائح إعانات البناء التي باتت تقصم ظهور الفقراء.
 
...ملف إداري ثقيل لا يكاد ينتهي
 تبدأ معاناة السكان الريفيين مع إعانات البناء الريفي من الملف الثقيل الذي يقدمونه في بداية الطلب، حيث يبدأ ببطاقة إقامة وبطاقة هوية وعند التأكد من عدم حصوله على إعانات سابقة يبدأ مسلسل لا ينتهي من الأوراق. وفي هذا السياق عبر عديد المواطنين عن امتعاضهم من هذه الملفات وكثرة ما تحويه من شهادات عديدة تتنوع وتتغير في كل مرة، والغريب في الأمر أن ورقة واحدة يمكن أن يعيد العون طلبها أكثر من مرتين وبحجة أن مدة صلاحيتها انتهت وهنا يظهر كم تطول معالجة الملفات. وكم من شخص انتظر سنة أوسنتين وفضل الانسحاب بعد أن طلبت منه كل أنواع الوثائق. فمثلا أكد العديد أن شهادة الميلاد طلبت منهم أكثر من مرة وهوأمر تقبلوه بحجة أن صلاحيتها 3 أشهر سابقا، لكن كيف يعقل أن تطلب نسخة من بطاقة التعريف الوطنية في كل مرة وهي نفسها لا تتغير؟
 
... تكاليف الإنجاز هاجس آخر
 حتى وإن تجاوز المستفيد كل ما سبق ذكره وحصل على الشطر الأول من الإعانة فإنه يصطدم بعاشق كبير هوارتفاع تكاليف الإنجاز، والغريب أن الحصول على الإعانة يكون بشرط بناء جزء كبير من المنزل. حيث كان سابقا يجب الخروج من الأرضية كي تستفيد من الشطر الأول، وهومشكل تم تجاوزه بعد القرار الذي يؤكد منح شطر من 28 مليون سنتيم قبل الانطلاقي في المشروع، لكن الشطر الثاني وهو42 مليون لن يحصل عليه المستفيد إلا بعد أن يكمل الأعمدة والسقف وهوأمر مستحيل إنجازه بـ28 مليون فقط. حيث يصرف المستفيد ثلاثة أضعاف المبلغ على المواد وأجرة البناء وتكاليف النقل والشحن مما يضعه في أزمة حقيقية لذا نجد غالبية المشاريع وهي سكنات من أربع أوثلاث غرف فقط تصل مدة إنجازها إلى 5 سنوات فما فوق. وهكذا تتحول إعانة البناء إلى مشكل حقيقي يغرق المستفيد منها ويضعه بين المطرقة السندان، وهوما جعل أحد الشباب الذين فضوا الانسحاب يقول: "إن كنت صابرا فسأصبر 5 سنوات أوعشر في انتظار قبول ملف السكن الاجتماعي عوض الصبر على إعانة تقصم ظهري."
لهذه الأسباب وأخرى بات ملف البناء الريفي يعرف تراجعا في ولاية بومرداس وجعل الضغط يزداد على السلطات للاستفادة من صيغ سكن أخرى، وهوضغط كان يمكن تفاديها لواستغل ملف البناء الريفي بشكل أحسن  أوعلى الأقل تسريع الإجراءات وتخفيف ثقل الملفات.