المخرج المسرحي التونسي الطيب سهيلي لـ"البلاد": "الإعلام صور الجزائريين كمتعصبين ولما تعاملت معهم اكتشفت العكس"

23/02/2014 - 23:02

يعتبر الطيب سهيلي من أبرز المخرجين التونسيين في المسرح، حيث عمل لمدة تفوق 40 سنة فوق الخشبة وشارك في العشرات من التظاهرات الثقافية الدولية ونال العديد من الجوائز وأنتج مسرحيات وملاحم كبيرة.. التقيناه على هامش المهرجان المغاربي للمسرح بولاية الوادي، حيث كان أحد أعضاء لجنة التحكيم وترأس عدة ورشات تكوينية بالمهرجان لفائدة الممثلين والمخرجين الشباب، فكانت لنا معه هذه الدردشة..
 
- حدثنا عن بداياتك في المسرح..
بداياتي لا تختلف كثيرا عن بدايات جل المسرحيين؛ فحبي للخشبة تكون من خلال مشاهدتي للمسرحيات وإدماني على قاعات العرض منذ صغري.. وأول عمل شاهدته كان تحت عنوان "أهل الكهف" للأستاذ الكبير احسن زمرلي، ومن هناك بدأ تعلقي بهذا الفن وتأثرت كثيرا بحركات ورسالة الفنانين وجرأتهم فوق الخشبة. وبعدها بدأت مع جمعية هاوية في المنطقة التي أقطن بها والتي كانت تترأسها عميدة المسرح التونسي شاكية رشدي وأنجزت معها بعض الأعمال المسرحية كممثل هاوي على غرار مسرحيات "الجازية والهلالية" و"قيس وليلى" و"أم عباس" و"صلاح الدين الأيوبي" وكان هذا في سنوات الستينات. وبعدها كونت فرقة صغيرة من المنطقة التي أقطن فيها بباب السويقة؛ فأبناء الحي كانوا مولعين بالثقافة والمسرح وهو ما ساعدني على جمعهم وتأطيرهم وحاولت أن أقتحم ميدان الإخراج عن طريق إشرافي على مسرحيات قامت بها الفرقة كمسرحية "القاعدة والاستثناء" للكاتب الألماني برتول دوبريس وبعدها أخذنا بعض المسرحيات كـ"الزنوج" للكاتب الفرنسي جون جاني وبدأ يتغلغل المسرح في كياني ويتسرب أحيانا أخرى إلى إبداعات فوق الخشبة.
 
- إلى أين كانت الوجهة بعدها؟
في السبعينيات أنتجنا مسرحية تحت عنوان "حوت ياكل حوت"، حيث استلهمنا النص من الوضع السياسي القائم آنذاك في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة وافتتحنا بها مهرجان عالمي للمسرح الجامعي وتحصل هذا العرض على جائزة العمل المتكامل، وبعدها أردت أن أتكون أكاديميا أكثر في مجالي؛ فالتحقت بالمعهد الوطني للفنون ودرست أربع سنوات وتحصلت على الشهادة وعينت فيما بعد كأستاذ مسرح. وهنا انطلقت في عمليات الإخراج ولكن بطريقة أفضل من السابق وشاركت في العديد من الأعمال التونسية وإيطالية أيضا وعينت فيما بعد كمدير للمسرح الجهوي بالمهدية وأخرجت معهم مسرحيتي "زهر البنفسج" و"يا بحر قل لي"، لكن ما وقع فيما بعد كان له أثر كبير في حياتي وهو قيام وزارة الثقافة التونسية بإغلاق وحل جميع الفرق التونسية؛ فقررت مغادرة البلاد إلى ليبيا والعراق، وأنجزت في ليبيا العديد من المسرحيات والتربصات ودرست أيضا في معهد الفنون الجميلة بمدينة البصرة العراقية. وعندما عدت أسست شركة إخراج وبقيت أعمل بها إلى يومنا هذا.
 
- لاحظنا من خلال كلامك أنك لم تبق في مناصبك الإدارية التي تعين فيها.. ما هو السر في ذلك؟
أتصور أن الإدارة والمكاتب هي مقبرة وسجن الفنان، فالفنان وجد للخشبة وليس للإدارة فالكثير من الفنانين يخطئون عندما يقبلون المناصب الإدارية ويغرقون في مشاكلها ويفقدون ملكاتهم الإبداعي وحرية تنقلاتهم في المشاركات الوطنية والدولية في مختلف التظاهرات، فأنا مثلا عينت مدير في العديد من المناصب ولكنني أرفضها، وحتى في حالات القبول أستقيل بعد مدة قصيرة؛ فأنا أحس نفسي في سجن بعدما كنت حرا فوق الخشبة ووراء الستار.
 
- هل كان للثورة في تونس تأثير على أعمالك المسرحية وكيف عاش الفنانون ما حدث؟
الفنان ابن بيئته- كما يقال- والثورة في تونس أعطتنا مجالا خصبا ومادة دسمة للأعمال المسرحية؛ فأنا أنتجت مسرحية الصبار وهو نوع من الشوك الهندي الذي يتم غرسه في الأرياف ويستعمل في تقسيم الأراضي بين الفلاحين؛ فأنا إيماني كان كبيرا بأن الثورة في تونس انطلقت من الريف وليس المدينة كـ"سيدي بوزيد" و"تالة" و"القصرين"، ولكن بعد مدة من انتهاء الثورة وهدوء الأوضاع وتنظيم الانتخابات؛ أحسست بأن الثورة انتزعت من أصحابها وأصبح الكل يتغنى بالوطنية والثورة والشعارات ويظهرون أنفسهم على أن لهم الفضل في الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، فحاولت تغيير المفاهيم من خلال المسرحية، والقول إن الثورة لم تحقق أهدافها بل كانت انتفاضة عابرة، وبالإضافة إلى كل هذا أن "الإسلاميين" في تونس حاولوا قمع المسرحيين والفنانين غير أننا تغلبنا عليهم بالصبر والإيمان وحب مهنتنا. كما أن المبدع والفنان لا يستطيع العيش بعيدا عن ما يحدث في بلاده؛ فالأعمال الفنية يجب أن تكون ترجمة للواقع المعاش، وأن تكون مواكبة للتطورات وتتحلى بالجرأة ولا يكون الفنان فنان البلاط والنظام، فالفنان بطبيعته متمرد يرى بطريقة مغايرة للآخرين وغير راض عن الوضع السياسي والاجتماعي. وهنا أقول إنني أستغرب من المصريين كيف يقدمون مسرحيات عبث و"رابعة العدوية" تحصي المئات من القتلى.. أحسست حينها أنهم بعيدون عما يحدث حولهم.
 
- كيف تقيم المسرح في الجزائر وكيف كانت مشاركاتك في الأعمال الجزائرية؟
لقد شاركت في مهرجان سوق أهراس سنة 2012 وأنجزت مسرحية "الليلة نحكي" وتحصلت على جائزة العمل المتكامل وقمت بتكوين لبعض الممثلين في مدينة المدية في مهرجان المسرح الفكاهي. كما تعد مشاركتي في ولاية الوادي الثانية من نوعها ولكن دعني أطلعك على سر هام، وهو أنني قبل أن آتي إلى الجزائر وككل التونسيين؛ كانت لدي نظرة خاطئة، حيث كنت أعتقد أن الجزائريين متعصبون كثيرا وغير مثقفين وصعب التعامل معهم وأدى الإعلام دورا كبيرا في ترسيخ النظرة الخاطئة لدى التونسيين رغم قرب المسافة، ولكن بعدما زرت الجزائر أحببتها وأحببت شعبها، ولما كرمت في الجزائر أحسست أني ظلمت هذه البلاد؛ فالفن ساهم في توحيد الشعوب، ذلك أن الجزائر تملك إمكانيات كبيرة لإنتاج أعمال مسرحية وفنية وسينمائية عربية ومغاربية.. غير أن الإرادة لم تتوفر، وليس الجزائر فقط، بل حتى تونس والمغرب تملك رصيدا من التراث والعادات والتقاليد والثقافة التي يمكن لها أن تكون مادة دسمة لأعمال عالمية.
 
- لاحظنا مؤخرا ظهور العديد من المهرجانات المغاربية والعربية.. إلى ماذا يؤشر ذلك؟
بالفعل؛ فالمشهد الثقافي والفني العربي شهد في الآونة الأخيرة أعمالا مشتركة، وهذا ما يؤشر إلى إمكانية إنتاج أفلام سينمائية ودرامية ومسرحيات عربية تأخذ صدى عالميا؛ كفيلم "الرسالة" و"عمر المختار" و"خالد ابن الوليد".. الإمكانيات الطبيعية والبشرية موجودة، لكن تبقى فقط الإرادة والتأطير لتجسيدها على أرض الواقع.